الجمعة، 19 أغسطس 2011

الشرعيّة التاريخيّة


في بعض المجتمعات تجد أنّ للتاريخ قدرته على التبرير , ومنح الشرعيّة لبعض أشكال السلطة , الشرعيّة التاريخيّة هي شكل من أشكال الشرعيّة التي تكتسب قيمتها من التاريخ و تتّكئ عليه في تعريفها لذاتها . سؤال الشرعيّة يجد معناه بشكل أساسي في العلاقة بين السلطة و المجتمع , يكفي أن تكون السلطة مبرّرة لدى المجتمع المدني ولو بشكل سياسي بدائي حتى تكتسب شرعيّة التسلّط بالنّسبة للمواطن . أن يحتفظ المجتمع المدني برصيد من  الأهليّة للمؤسسة الحاكمة و شرعيّة  الوجود ليس على أساس عقلي أو ديني أو دستوري ولكن من أجل قيمتها التاريخيّة , أي لأنّها كانت موجودة في مكان السلطة في تاريخي المواطني  , لأنّها الأصل حسب المفهوم التاريخي للتأصيل .  هذه هي الشرعيّة التاريخيّة .
هذه الوضعيّة السياسية تظهر في تلك المجتمعات التي لم تحسم أسئلتها السياسيّة , و لم تستكمل حداثتها السياسيّة بعد , مازال تعريف الدولة و المجتمع المدني هنا ليس محسوماً بعد , و العلاقة بينهما ليست واضحة تماماً .  وهي بالضّرورة تتعزّز في المجتمعات المحافظة التي تعطي الأولويّة للتاريخ كمصدر للقيمة المعرفيّة و الأخلاقيّة , لست أتحدّث عن حالة بدائيّة ساذجة للمجتمع لا يعي ذاته فيها ككائنات سياسيّة , فسؤال الشرعية في هذه الحالة ليس مطروحاً أصلاً , لكنني أتحدّث عن المجتمع الذي يتداول مفهوم الشرعيّة السياسيّة و يجد في لحظته التاريخيّة بنية سلطويّة مبرّرة بشكل نسبي تاريخيّاً ., من الضروري التنبيه إلى أنّ الشرعيّة في بنيتها التاريخيّة لا تطرح كسؤال نعم أو لا , موجودة او معدومة , بل كرصيد من الشرعيّة يزيد و ينقص باعتبارات عديدة .
تؤسس الشرعيّة التاريخيّة نفسها على عدّة أسس , أولاً الأساس التاريخي , وهو تمكّن المؤسسة من الحكم في وقت لم تكن مسألة الشرعيّة مطروحة فيه و لا مجمل أسئلة الدولة الحديثة , و هذا الانتقال نحو الحداثة السياسية لم يحسم بعد حتى تحسم مسألة الشرعيّة , ثانياً الأساس الاجتماعي والثقافي بالمعنى الشعبي للثقافة حيث يثبت في المخيال الشّعبي تمكّن المؤسسة في عرش الحكم بحيث يطرح هذا التصور نفسه كأصل , تحتاج مخالفته إلى امتحان و مساءلة و ليس العكس , ثالثاً الأساس العملي , وهو كون المؤسسّة بغض النّظر عن شرعيّة ابتدائها , فإن التقدم العام للدولة نحو المدنيّة  يتلازم بالضرورة مع نسبة ما من الإنجازات المدنيّة على الأرض و التي تعدّ من مهمّة الدولة بالتعريف , ما يلزم منه وضع المؤسسة في مكان الدولة برصيد من الشرعيّة يزيد حين تقوم بواجبها كدولة و ينقص حين تتخلّى عن دورها هذا . رابعاً الأساس السياسي الواقعي , فحقيقة تمكّن المؤسسة من الحكم تقيّد مساحة العمل السياسي , مما لا يسمح بالمصادمة الفجّة لشرعيّتها مهما كانت قيمتها , و هذا بحدّ ذاته يبرّر الاعتراف النسبي بشرعيّة الكيان المتحقّق تاريخيّاً .
كل هذا لا يعطي للشرعيّة التاريخيّة أي قيمة حقيقية إضافيّة , أكثر من كونها حقيقة سياسيّة بحاجة إلى معالجة من الداخل . و كلّ الأسس المبنيّة على التاريخ تنقض بالطريقة ذاتها في النهاية , يكفي أننا شاهدنا في التاريخ القريب للغاية دولاً تفقد في أيام كل رصيد الشرعيّة التاريخية و القيمية و الأيدلوجية الذي تختزنه بمصادمتها للمجتمع , مادامت مسألة الشرعيّة كما قلنا تجد معناها في علاقة المجتمع بالسلطة , و المجتمع اليوم تتحرّك فيه الأسئلة السياسية بشكل غير مسبوق و هو يتجاوز كلّ يوم الأساطير السياسية التي عاشها لفترة طويلة .

0 تعليقات: