السبت، 13 أغسطس 2011

البلاد (4) - بين القيمة والقانون


إنسان الدولة الحديثة منسجم عادة مع القانون، يقف من القانون موقف احترام مبادئي، يملك حساسيّة مدنيّة عاليّة تحول بينه وبين مصادمة القانون مع أنهّ يعي تماماً تسلّط القانون على عقله وإرادته الظرفيّة وسطوته على كبريائه الوجودي كإنسان حرّ ينزع دائماً للإمعان في تحقيق ذاته، إلّا أنّه يفترض في القانون قدرته المعقولة على إدارة التناقض الاجتماعي للجماعة الإنسانيّة متى ما أسّس نفسه بتوافق منطقي وأخلاقي مع عناصر المجتمع عبر آليات المقاربة الحديثة بين المدني والسياسي .
 وهذا الشرط تحديداً، أي تأسيس القانون على أساس عقلاني وأخلاقي يعبّر عن الجماعة، يجعله يخضع لسلطة القانون بكلّ سرور ورحابة صدر، وحده إيماني بأخلاقيّة ومعقوليّة القانون الذي أخضع له هو ما يجعلني أنصاع لشروطه.
مع ذلك، يحدث أن يضعنا التاريخ في موقف تعارض بين الإرادة العقلية والأخلاقيّة للمواطن من جهة ومفردات القانون التي من المفترض أن تكون مبنية على القيم العقلية والأخلاقيّة العامة من جهة أخرى، خاصّة عندما تتعامل مع بناء قانوني مهترئ وغير محكم.
هنا يُطرح التساؤل عن قيمة القانون، هل للقانون قيمة جوهريّة مستقلّة بمعزل عن الأساس العقلي والأخلاقي أم أنّ قيمته مستقاة بالضّرورة من هذه القيم ؟ أفترض أنه لا يصح فهم وتبرير القانون بمعزل عن القيمة، وقد أعتبر لحظة التعارض بين المفردة القانونيّة والقيمة خروجاً من القانون عن القانون إن صحّ التعبير.
القانون في النهاية بنية جامدة للضّبط، ومن الطبيعي أن تعرّضها ميوعة الواقع والتاريخ للحظات استشكال، فالقانون لن يصل يوماً للتطابق مع قيم الجماعة – على افتراض وحدتها – وبالتالي سيكون بحاجة إلى عدد من الخصائص المتحرّكة.
من هنا تنشأ الحاجة إلى آلية للتبادل الجدلي بين المواطن والقانون، أي الرّبط العضوي بين السلطة التشريعيّة والمواطن للحفاظ على مسار مفتوح بين القانون ومنبع القيمة الأساسي الذي يستقي منه تبريره ومعناه وهو الإرادة القيميّة العامة للمواطنين.
وأفترض أيضاً الحاجة إلى وجود أساس قانوني لتجاوز القانون، تقنين أصولي -إن صح التعبير- يعنى بالقيم الفوق قانونيّة التي تبنى عليها المفردات التشريعيّة للقانون وتردّ إليها حالات التعارض الظرفيّة بين القانون وقيمته الأوليّة . أنا بحاجة إلى شرعيّة قانونيّة تمكّنني من محاجّة القانون على أساس عقلي وأخلاقي، بحاجة إلى بنية قانونيّة لتجاوز القانون وهذه الأخيرة لا يضمنها إلا جهة قضائيّة مستقلّة عن السلطة التنفيذيّة القائمة بالقانون .

0 تعليقات: