الاثنين، 11 يوليو 2011

البلاد (2) - في أثر تصور الانسان على المواقف الفكرية


لطالما مثّلت الإجابة عن سؤال تعريف الإنسان وعلاقته بالأرض والتاريخ والمطلق مكوّناً أساسياً في مجمل المنظومات الفكريّة عبر التاريخ، الموقف الفلسفي من السياسة والحق والأخلاق يتحدّد بشكل أساسي عبر تصوّر الإنسان وطبيعته وعلاقاته الاجتماعيّة. ليس بالضّرورة أن تجد في المنظومة الفكريّة الواحدة نتاجاً نظرياً كاملاً متماسكاً يشرح أجوبتها الإنسانيّة الكبرى لكنك ستجد دائماً موقفاً مضمراً كامناً فيها، يقدّم تاريخ الفلسفة السياسية مثالاُ على ذلك في الفارق بين الموقف الفلسفي السياسي لتوماس هوبز وجون لوك، على الرّغم من التشابه المنهجي، فكليهما يطرح مقولة الحالة الطبيعيّة للمجتمعات الإنسانيّة، ويؤسس عليها نظريّته، لكنّ هوبز يفترض أنّ الحالةالطبيعيّة للمجتمعات ما قبل سياسيّة هي حالة صراع واقتتال وشيوع للفوضى بشكل مطلق، باعتبار طبيعة الشرّ في الإنسان، بالتالي هذا يبرّر عقليّا ضرورة الخضوع لأشكال مطلقة من السلطة باعتبار أنّ مطلق الشرّ لا ينازع إلا بمطلق التّحكم السياسي، في حين أنّ لوك يفترضّ شيوع السّلم كحالة طبيعيّة للاجتماع البشري كما يفترض أنّ النّاس وجدوا متساويين متماثلين في الحقوق والامتيازات، من هنا نجد التفسير الفلسفي لكون لوك أحد أوائل الذين تبنّوا نظريات العقد الاجتماعي، بافتراض أنّ السلطة والمجتمع المدني يخضعان على حدّ القانون لشروط تعاقد متبادلة بين الطرفين.وتقدّم الساحة الثقافيّة المحلّية مثالاً آخر، يتشابه بشكل طريف مع المثال الأول. من الواضح أنّ هناك فوارق أساسيّة في التصوّر القيمي والاجتماعي للإنسان بين أطراف المتنازعين على مجمل القضايا المحليّة للمرأة وعلاقتها بالمجتمع بين الاختلاط وقيادة السيارة والفرص الوظيفيّة والحقوق القانونيّة. من جهة يختلفون في تصوّرهم للحالة الاجتماعيّة فالمحافظ الذي يتكثّف موقفه حول مفهوم الفتنة، يقدّم تصوّراً متشائماً للمجتمع من حيث افتراض قدر كاف من السوء والشرّ في أفراده يبرّر موقفهم الممانع من الكثير من القضايا، وضرورة إخضاع المجتمع لأشكال واسعة من السّلطة، هذا التشاؤم يتضاءل كثيراً أو يغيب لدى الطرف الآخر، ويؤسس لموقف أكثر انفتاحاً من القضيّة.يختلفون أيضاً في تفاصيل الموقف الطبيعي من ثنائيّة الرّجل والمرأة، المحافظون يتبنّون تصوّراً يفرق فرقا طبيعيّاً اجتماعيّاً بين الرّجل والمرأة وما يجعل كمال العدل بالنّسبة إليهم التفرقة في الحقوق والامتيازات باعتبار الاختلاف بينهما، في حين أنّ الطرف الآخر يتبنّى تصوّراً مخالفاً يساوي اجتماعيّاً بين الرّجل والمرأة وينتج موقفاً حقوقيّاً مختلفاً أيضاً.هناك الكثير من الاختلافات الأخرى في المواقف النّظرية من الإنسان ولست هنا في موقف ترجيح أيّ من الموقفين من حيث الصوابيّة الشرعيّة أوالمنطقية أوالقيميّة، إنّما أريد تأكيد الضرورة الدائمة للعودة للأسس النّظريّة الأوليّة وفحص علاقتها بمواقفنا الفكرية من القضايا، والحفاظ على الاتساق الأخلاقي والمنطقي بين المواقف




http://www.albiladdaily.net/?p=1156

0 تعليقات: