الثلاثاء، 26 يوليو 2011

البلاد (3) - الدولة ما بعد الخلدونيّة


إن مجمل التراث السياسي العربي، المدوّن منه والمجسد على صفحات التاريخ والفلسفة، يُخضع الدولة لحتميّة الارتباط بالدّورة الحضاريّة للدول، أي حتميّة سقوط الدولة حين بلوغ أوجها العمراني بالمفهوم الخلدوني للعمران، التجربة التاريخيّة لممارسة الحكم والسياسة كانت سلسلة من الحلقات المتتالية من الحكم السلطاني الذي يلي بعضه البعض، الدولة في بنيتها التراثيّة كانت ترتبط بوجود زمني مقيّد يؤول إلى هرم حضاري آخر الأمر .
إنّ ارتباط الدولة ببنيّة جامدة للشرعيّة هي ما يخلّق فيها طبيعة كهذه، حين تؤسس شرعيّتها على القوّة أو العصبة أو الأيدلوجيا الجامدة، تربط ذاتها بمكوّنات ساكنة لا تجاري حركة التاريخ، جوهر التاريخ كامن في الحركة والتقدّم، والبنى الجامدة لا تصمد أمام ديناميّة كهذه .
هذه الفكرة تفترض أنّ تتجاوز الدولة لحتميّة السقوط على حدّ الدورة الحضارية للدول، يمكن ذلك نظريّاً على الأقل حين ترتبط الدّول ببنية متحرّكة وحيويّة للشرعيّة، لذلك تكون الدّولة أكثر حيوية وأكثر قدرة على الحركة وأكثر مرونة في مجاراة التاريخ حين تؤسس شرعيّتها على الإنسان، الإنسان بنية متحرّكة متجدّدة للشرعيّة، تكون الدولة أكثر قدرة على التقدّم و إعادة إنتاج ذاتها حين ترتبط بإنسان الشّعب دائماً .هذا لا يعني بالطّبع أن على الدولة التخلي عن مؤسسات القوّة والروابط الأهلية والمدنية والبنى الفكريّة الجامعة في تكوين ذاتها و بناء جسمها الحضاري،
ولكن ضرورة التمركز حول إنسان الشعب كجوهر للدولة يعطيها القوّة والشرعيّة والتماسك.ربّما تقدّم الديمقراطية إمكاناً وآقعيّاً لهكذا ارتباط بين شرعيّة الدولة والإنسان، لكنّها تحمل هي الأخرى في ذاتها إمكانات تناقض و جمود من نوع آخر،
 تمثّلها التجارب الديمقراطيّة عبر التاريخ، إن السؤال ليس هو هل نتمثّل هذا النّظام السياسي أو ذاك أو هذه الآليّة السياسيّة أو تلك، إنّما ما مدى اقتراب هذا النّظام أو هذه الآليّة من الإنسان من حيث مكوّناته المتحرّكة.
في النّهاية أنا أفترض أنّ نقاوة التخلّص من المكوّنات الجامدة للدولة مستحيلة، مثاليّة الارتباط بالانسان في ذاتها مستحيلة وحتى الإنسان فيما هو فرد و جماعة يستبطن احتمالات لا متناهيّة لتمثيل البنية الجامدة المصادمة للتاريخ،
لكن فكرة المقال هي أنّ الدولة ستضع نفسها أمام احتمالات متزايدة للسقوط و الأفول كلّما ابتعدت عن الإنسان، في حين أنها ستجد في ذاتها إمكانيّة للتقدّم و الصّمود ما دامت تقترب من الإنسان، أي ما دامت تجعل من نّفسها كائناً متحركاً مرناً متصالحاً مع التاريخ و حركته

http://www.albiladdaily.net/?p=4138

0 تعليقات: